يبقى العراقُ
ألقيت في ملتقى القائم الشعريّ الأول في سنة (٢٠٠٦)
تحية الحضور
أهلًا بعشّاقِ القصيدِ ومَرحبًا
بالنازلينَ بأهلِ هذا الوادي
فالقائمُ الأقصى تبسّمَ ضاحكًا
فَرِحًا بكلّ مغرّدٍ للضادِ
أنا طائرُ الأحزانِ قصّ حناحَهُ
غَدْرُ الزمانِ وخِسّةُ الأوغادِ
بدمي كتبتُ حروفَها فتألّقتْ
عربيّةَ الاحساسِ والميلادِ
فيها أُغنّي للفصاحةِ موكبًا
فلمثلِكمْ يحلو هنا إنشادي
وبكمْ أُكابرُ بالعراقِ وأهلِهِ
بوجوهِكمْ يزهو مُحَيّا النادي
يا مُلتقى الشعراءِ جئتُ أبثُّها
نارَ القصيدِ بجمرِها الوقّادِ
أناابنُ هذي الأرضِ وهي عصيّةٌ
أنْ تستكينَ لغاصبٍ أو عادِ
أنا ابنُ بغدادَ التي ما طأطأتْ
هامًا ولا نامتْ على اسْتعبادِ
تبقى... ويبقى للعراقِ رجالُهُ
شُمُّ الأُنوفِ وصانعوا الأمجادِ
ماقيلَ للمجدِ الأصيلِ:ألا انتسبْ
إلّا و قالَ بأنّهُ (بغدادي)
(يبقى العراق)
(١)
منْ أين أبدأُ والطوفانُ يصطخبُ ؟
وفوق أرضي خنازيرُ العدا تَثِبُ ؟
دعي الكؤوسَ دعي الألحانَ سيّدتي
فليس في الكأسِ لي شأنٌ ولا أربُ
ودّعتُ ليلي... وسُمّاري...وأرصفتي
لأنّني بجراحي المُولَعُ الطّرِبُ
أنا العراقُ و أوجاعي تمزّقُني
أنا (القتيلُ) الذي قد باعَهُ (العربُ)
(٢)
من أين تبدأُ بالمأساةِ قافيتي؟؟؟
وأيَّ قافيةٍ يستعذِبُ اللهبُ ؟؟؟
لا بُورَكَ الشعرُ إن لم ينغمسْ بدمي
ومن جراحي مِدادُ الحرفِ ينسكِبُ
لا بورِكَ الشعرُ إن لم ينفجرْ حممًا
جيّاشُهُ الثأرُ للأوطانِ والغضبُ
مالي أرى الليل كابوسًا فما اتّقدَتْ
في أُفقِ بغدادَ إلّا النارُ و الشّهُبُ ؟
مَن ذا يهاتفُ (منصورًا) لِيُنبئَهُ
عن درّةِ الكونِ إذ ماجتْ بها النُّوَبُ؟
ومَنْ يبلِّغُ (هارونًا) رسالتَنا :
دارُ الخلافةِ فيها النهبُ و السّلَبُ ؟
يادجلةَ الخير كم تجري ومن دمنا
حتى النخيلُ على شطّيكِ ينتحِبُ
أوّاهُ ... أوّاهُ يا بغدادُ يا وطني
على جناحَيكِ يعلو الهمُّ و التعَبُ
جاءتْكِ من كلِّ أطرافِ الدُّنى مِلَلٌ
تَمُورُ غيظًا ... و بالأحقادِ تعتصِبُ
جاءتْ أدِلّاؤُها عارٍ ... و منسلِخٌ
فما يَمُتُّ إلينا منهمُ سَبَبُ
همْ (بلطجيّةُ) هذا العصرِ دينُهُمُ
أن ينحروكِ... وأن تُستأصَلَ العَرَبُ
(٣)
يا سيّدي يا أبا الزهراءِ معذرةً
إذا بكيتُ دمًا بالجَمْرِ ينسكِبُ
فأُمّتي قد تولّاها فراعنةٌ
على الرّعيّةِ يمضي سيفُها الذّرِبُ
مُرْ بالعواصمِ سكرى وهي غافلةٌ
عمّا يُحاكُ لها سرًّا و يُكتتَبُ
تغوصُ في حفَلاتِ الفسقِ لاهيةً
جيشُ المخانيثِ في ساحاتِها طرِبُ
فتلك قاهرةٌ ليستْ بقاهرةٍ
و ذا ابنُ حمدانَ تبكي سيفَهُ حَلَبُ
أمّا العروشُ فمن فاسٍ إلى يَمَنٍ
إلى الخليجِ عروشٌ فوقها لُعَبُ
دُمًى على رُقعةِ الشطرنجِ مَغنَطَها
(عزرا) وروّضها (بوشٌ) كما يجِبُ
فاستمرؤوا الذلَّ زادًا من موائدِهِ
والعارَ من كأسِهِ شهدًا إذا شرِبوا
فانظُرْ فُحولتَهم أضحَتْ مؤنّثةً
تُرخِي مفاصلَها للعُسِّ تُحْتَلَبُ
بكفِّ (ليزا) و (إبراهامَ) مَعصِرُها
هذي الضُّروعُ فيا لَلعارِ يا نُخَبُ !!!
(٤)
يا ما تَبَاكَوا على أقدامِنا هَلَعًا
ما أمَّهمْ طامعٌ ... أو مسّهمْ وصَبُ
مااعصوْصَبَ الشّرُّفي وادٍ لِيدهمَهم
يومًا ولا اهتزَّ من خوفٍ لهم هُدُبُ
إلّا وكانت لهم سورًا جماجمُنا
ومن أضالعِنا الأبراجُ و القِبَبُ
ومن نجيعِ ضحايانا كؤوسُهُمُ
ملآى ويعصَرُ فيها الجرحُ لا العنبُ
أقزامُ مشيخةٍ ... عُهّارُ مَخنثةٍ
أنسالُ ماخورةٍ ... للمعتدي ذَنَبُ
مرحّبون بحلفٍ من خيابرةٍ
مع الصّليبِ على الإسلامِ تعتصِبُ
ساقوا الجيوشَ إلى بغدادَ زحفُهُمُ
تمضي تُرفرفُ في راياتِها الصُّلُبُ
الباسطينَ لجيشِ الرومِ أرضَهُمُ
منها إلينا صواريخ الرّدى تَثِبُ
والفاتحينَ لريحِ الشّرِّ خاصرتي
منها إلينا جحيمُ الحقدِ يَنسرِبُ
أهؤلاءِ همُ أبناءُ جِلدتِنا ؟؟؟!!!
يا حسرةَ البيدِ ممّا يصنعُ النّسبُ
ياابنَ الصباحِ ومَنْ جاراكَ من عَرَبٍ
لستمْ إلى عَرَبٍ إن عُدَّتِ العَرَبُ
ياابنَ الصباحِ ترى بغدادَ قد ذُبِحتْ
وأنت أوّلُ ثأرٍ سوف يُنتخَبُ
يا عِرَّةَ القومِ لا تفرحْ بنكبتِها
مهما رأيتَ جراحَ الغدْرِ تنشخِبُ
فأرَالكويتِ زرعتَ الحقدَ في دمنا
فانظُرْ لنفسِكَ يومَ الحالُ تنقلبُ
فلا وربِّكَ لا كهفٌ ولا وزرٌ
ولا ملاذٌ ... ولا مَنجى ... ولا هرَبُ
(٥)
يبقى العراقُ ويبقى أهلُهُ النُّجُبُ
ويذهبُ السّاقطون العُهّرُ الجُنُبُ
يا صخرةَ العزّةِ القَعساءِ شامخةً
مَرَّ الدُّهورِ تهاوى دونها الشُّهُبُ
لَكَمْ تَعاظمَ هَولُ البغي يلطمُها
وارتدَّ عنها سريعًا موجُها الصَّخِبُ
أرضَ الفراتَينِ يا زهوًا نتيهُ به
بنا على صَهَوَاتِ المجدِ ينتصِبُ
إنّا بنا صبرُ (أَيُّوبٍ) إذا نزلَتْ
بنا البلايا و هاجَ الشّرُّ يضطرِبُ
لا مجلسُ الأمنِ يعنينا ولا أُمَمٌ
وقد تَدَاعَتْ علينا داؤُها الكَلَبُ
حقدٌ على أُمّةِ الإسلامِ وحَّدَهمْ
والكُفرُ يجمعُهمْ في مِلّةٍ نَسَبُ
جاؤوا العراقَ وقد خالُوهُ مُنطلَقًا
إلى دمشقَ لِتأتي بعدها حَلَبُ
في نُزهةٍ صوّروها في مُخَيّلةٍ
حتى استفاقوا على ما يحملُ الخشبُ
هذي توابيتُهُمْ تنعى جنودَهُمُ
إلى جهنّمَ همْ في جوفِها الحَصَبُ
ورّطتَ جيشَكَ يا بوشٌ بمُنزَلَقٍ
قتلًا أو القهقرى ليلًا سينسحِبُ
أنّى تَلَفّتُمُ تَلقَوا مُقاومةً
فالناسُ والنّخلُ والأحجارُ والقصَبُ
نارٌ تَلَظّى بجمْرِ الغيظِ مُتّقِدًا
من تحتكم لَهَبٌ... من فوقكم لَهَبُ
هنا نهايةُ (أمريكا) سنكتبُها
غدًا...وموعدُنا في القدسِ فارْتقبوا
فاتورةُ الثأرِ تمضي في تصاعدِها
دمٌ حسابُكِ يا (اسرائيلُ) لا الذّهَبُ
ألسّبيُ آتٍ فلا نمتمْ على دَعَةٍ
فالبابليّون لم يهدأْ لهمْ عَصَبُ
أَلسّبيُ آتٍ وجيشُ السّبيِ مبعثُهُ
وادي الفراتَينِ لا شكٌّ ولا رِيَبُ
أَلسّبيُ آتٍ وخيلُ اللهِ راكبةٌ
وسوف يأتيكِ من أنبائِها العجَبُ
أَلسّبيُ والليلةُ السّوداءُ موعدُكمْ
يا ويلَكمْ يومَ لا فوتٌ ولا هَرَبُ
(٦)
وما السياسةُ من شأني أُعالجُها
ولا التحزّبُ يعنيني ولا الرُّتَبُ
ولا سماسرةٌ ماتتْ مروءتُها
فلا ضميرٌ ... ولا دينٌ ... ولا حَسَبُ
ولا دكاكينُ أحزابٍ مُتاجِرةٍ
ما همَّها كيف أو من أين تكتسِبُ
ولا المشايخُ شتّى في تَمَذهبِها
لأيِّ طائفةٍ تُعزى و تنتسِبُ
بيضُ العمائمِ أو سودٌ عمائمُها
سِيّانِ عندي على الميزانِ تُحتَسَبُ
مالم تكنْ لِعراقِ الحُبِّ دعوتُها
لا للتهارجِ تُذكي نارَها الخُطَبُ
جهنّمًا أشعلوها بين أظهرِنا
والطّيّبونَ على تَنُّورِها الحَطَبُ
ذَرُوا التّشدّقَ إسفافًا و ثرثرةً
فإنّه وطني المذبوحُ ينتحِبُ
يا إخوةَ الدارِ أغرابٌ تعيثُ بنا
جاءتْ ومنطقُها التدليسُ والكَذِبُ
من كلِّ جِنسٍ تداعَوا يحتسون دمي
وكلُّ غالٍ بأرضي اليومَ يُستلَبُ
داعٍ لِ(فدرلةٍ)...ساعٍ لِ(صوملةٍ)
كم من (مُسَيلمةٍ) أعناقَنا ركِبُوا
ياإخوةَ الدارِ لُمُّوا الشمْلَ والتحموا
على التسامحِ يكفي الويلُ والحَرَبُ
يا إخوةَ الدارِ من زاخو أُناشدُكمْ
لأُمِّ قصرٍ إذا ما اشتدَّتِ الكُرَبُ
عُودوا إلى اللهِ واسْتهدوا بصائرَكم
(فقد طمى الخَطْبُ حتى غاصتِ الرُّكب)
الشاعر
وليد مهدي العانيّ
تعليقات